فصل: (سورة الحشر: الآيات 1- 2)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{هُوَ الرحمن الرحيم هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك} وهو ذو الملك وقيل: القادر على اختراع الأعيان {القدوس} الظاهر من كل عيب المنزه عما لايليق به.
قال قتادة: المبارك، وقال ابن كيسان: الممجّد وهو بالسريانية قديشا.
{السلام المؤمن} قال بعضهم: المصدّق لرسله باظهار معجزاته عليهم، ومصدّق للمؤمنين ما وعدهم من الثواب وقابل إيمانهم، ومصدق للكافرين ما أوعدهم من العقاب.
قال ابن عباس ومقاتل: هو الذي آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن به من عذابه من الإيمان الذي هو هذا التخويف كما قال: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4].
وقال النابغة:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسند

وقال ابن زيد: هو الذي يصدّق المؤمنين إذا وحّدُوه، وقال الحسين بن الفضل: هو الداعي الى الإيمان والآمر به والموجب لأهله اسمه. القرظي: هو المجير كما قال: {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88]. {المهيمن} قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: الشهيد. ضحاك: الأمين. ابن زيد: المصدّق. ابن كيسان: هو اسم من أسماء الله في الكتب، الله أعلم بتأويله. عطا: المأمون على خلقه. الخليل: هو الرقيب. يمان: هو المطّلع. سعيد بن المسيب: القاضي. المبرد: المهيمن في معنى مؤيمن إلاّ أن الهاء بدل من الهمزة.
قال أبو عبيدة: هي خمسة أحرف في كلام العرب على هذا الوزن: المهيمن والمسيطر والمبيطر والمنيقر وهو الذاهب في الأرض، والمخيمر اسم جبل.
{العزيز الجبار} قال ابن عباس: هو العظيم، وجبروت الله عظمته، وهو على هذا القول صفة ذات، وقيل: هو من الجبر وهو الإصلاح، يقال: جبرت العظم إذا أصلحته بعد كسر، وجبرت الأمر، والجبر وجبرته فجبر تكون لازمًا ومتعديًا قال العجاج:
قد جبر الدين الإله فجبر

ونظيره في كلام العرب: دلع لسانه فدلع، وفغر فاه ففغر، وعمّر الدار فعمرت، وقال السدي: هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما اراد.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدّثنا محمد بن بكار بن الريان. قال حدّثنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال: إنما يسمّى الجبار، لأ نَّه جبر الخلق على ما أراد والخلق أرق شأنًا من أن يعصوا (له أمرًا) بل طرفة عين إلاّ بما أراد، وسُئل بعض الحكماء عن معنى الجبّار فقال: هو القهّار الذي إذا أراد أمرًا فعله وحكم فيه بما يريد لا يحجزه عنه حاجز ولا يفكّر فيمن دُونه. إن آدم أجتبي من غير طاعة وإن أبليس لعن على كثرة الطاعة، وقيل: هو الذي لا تناله الأيدي، من قول العرب: نخلة جبّارة، إذا طالت وفاتت الأيدي قال الشاعر:
سوامق جبار أثيث فروُعه ** وعالين قنوانًا من البسر أحمرا

{المتكبر} عن كل سوء، المتعظّم عمّا لا يليق به، وأصل الكبر والكبرياء: الأمتناع وقلة الإنقياد، قال حميد بن ثور: عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت بها كبرياء الصعب وهي ذلول {الخالق} المقدّر المقلّب للشي بالتدبير الى غيره كما قال: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6] وقال: {خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14] المنشيء للأعيان من العدم الى الوجود {المصور} الممثل للمخلوقات والعلامات المميّزة والهيئات المتفرّقة حتى يتميّز بها بعضها من بعض يقال: هذه صورة الأمر أي مثاله، فأولا يكون خلقًا ثم (نطفة ثمّ علقة) ثم تصويرًا إذا انتهى وكمل، والله أعلم.
{لَهُ الأسماء الحسنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم}.
أخبرنا أحمد بن محمد بن يعقوب الفقيه بالقصر قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ببغداد قال: حدّثنا الحسن بن عرفة قال: حدّثنا محمد بن صالح الواسطي عن سليمان ابن محمد عن عمر بن نافع عن أبيه قال: قال عبد الله بن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا على هذا المنبر يعني منبر رسول صلى الله عليه وسلم وهو يحكي عن ربّه سبحانه فقال: «إنَّ الله تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السموات والأرضين السبع في قبضته تبارك وتعالى ثم قال هكذا وشدّ قبضته ثم بسطها ثم يقول: أنا الله أنا الرحمن أنا الرحيم أنا الملك أنا القدّوس أنا السلام أنا المؤمن أنا المهيمن أنا العزيز أنا الجبّار أنا المتكبّر أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئًا، أنا الذي أعدتها أين الملوك أين الجبابرة».
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن وهب قال: حدّثنا محمد بن يونس الكريمي قال: حدّثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا أبو الأشهب عن يزيد بن آبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آخر سورة الحشر غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا ابن وهب قال: حدثنا أحمد بن أبي سريح وأحمد بن منصور الرمادي قالا: حدّثنا أبو أحمد الزبيدي قال: حدّثنا خالد بن سليمان قال: حدّثني نافع عن أبي نافع عن معقل بن يسار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكّل الله به سبعين ألف ملك يُصلّون عليه حتى يمسي، فأن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قال حين يمسي كان بتلك المنزلة».
وأخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا عبد الله بن محمد قال: حدّثنا السماح قال: حدّثنا أحمد بن الفرح قال: حدّثنا أبو عثمان يعني المؤذن قال: حدّثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار فقبض في ذلك اليوم أو الليلة فقد أوجب الجنة».
وأخبرني ابن القاسم قال حدّثنا ابن بختيار قال: حدثنا مكي بن عيدان قال: حدّثنا إبراهيم ابن عبد الله قال: حدّثنا عمرو بن عاصم قال: حدّثنا أبو الأشهب قال: حدّثنا يزيد الرقاسي عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ آخر سورة الحشر: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل الى آخرها فمات من ليلته مات شهيدًا».
وأخبرني أبو عثمان بن أبي بكر الحبري قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد الحجاجي قال: أخبرنا عبد الله بن أبان بن شداد أن إسماعيل بن محمد الحبريني حدّثهم قال: حدثنا علي بن زريق قال: حدثنا هشام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم فقال: «عليك بأخر سورة الحشر فأكثر قراءتها، فاعدت عليه فعاد عليّ، فأعدت عليه فعاد عليّ». اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الحشر مدنية، وهي أربع وعشرون آية، نزلت بعد البينة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الحشر: الآيات 1- 2]

{سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2)}
صالح بنو النضير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر قالوا: هو النبي الذي نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصارى فقتل كعبا غيلة وكان أخاه من الرضاعة، ثم صبحهم بالكتائب وهو على حمار مخطوم بليف فقال لهم: «اخرجوا من المدينة» فقالوا: الموت أحب إلينا من ذاك، فتنادوا بالحرب. وقيل: استمهلوا رسول اللّه عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، فدس عبد اللّه بن أبى المنافق وأصحابه إليهم: لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم، ولئن خرجتم لنخرجنّ معكم، فدربوا على الأزقة وحصنوها فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة، فلما قذف اللّه الرعب في قلوبهم وأيسوا من نصر المنافقين: طلبوا الصلح، فأبى عليهم إلا الجلاء، على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم فجلوا إلى الشام إلى أريحا وأذرعات، إلا أهل بيتين منهم: آل أبى الحقيق وآل حيي بن أخطب، فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة. اللام في لِأَوَّلِ الْحَشْرِ تتعلق بأخرج، وهي اللام في قوله تعالى: {يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي} وقولك: جئته لوقت كذا. والمعنى: أخرج الذين كفروا عند أوّل الحشر. ومعنى أوّل الحشر: أن هذا أوّل حشرهم إلى الشأم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط، وهم أوّل من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام. أو هذا أوّل حشرهم، وآخر حشرهم: إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام.
وقيل: آخر حشرهم حشر يوم القيامة، لأنّ المحشر يكون بالشام. وعن عكرمة: من شك أنّ المحشر هاهنا- يعنى الشام- فليقرأ هذه الآية. وقيل: معناه أخرجهم من ديارهم لأوّل ما حشر لقتالهم لأنه أوّل قتال قاتلهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم {ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} لشدة بأسهم ومنعتهم، ووثاقة حصونهم، وكثرة عددهم وعدتهم، {وظنوا} أنّ حصونهم تمنعهم من بأس اللّه {فَأَتاهُمُ} أمر اللّه {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم: وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرّة على يد أخيه، وذلك مما أضعف قوتهم وفل من شوكتهم، وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب، وألهمهم أن يوافقوا المؤمنين في تخريب بيوتهم ويعينوا على أنفسهم، وثبط المنافقين الذين كانوا يتولونهم عن مظاهرتهم. وهذا كله لم يكن في حسبانهم. ومنه أتاهم الهلاك. فإن قلت: أي فرق بين قولك: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: في تقديم الخبر على المبتدإ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي تصيير ضميرهم اسما لأن وإسناد الجملة إليه:
دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم، وليس ذلك في قولك: وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم. وقرئ: {فمآتاهم اللّه}، أى: فمآتاهم الهلاك. والرعب: الخوف الذي يرعب الصدر، أي يملؤه، وقذفه: إثباته وركزه. ومنه قالوا في صفة الأسد: مقذف، كأنما قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل أجزائه.
وقرئ: {يخرّبون} و{يخربون}، مثقلا ومخففا. والتخريب والإخراب: الإفساد بالنقض والهدم. والخرية: الفساد، كانوا يخربون بواطنها والمسلمون ظواهرها: لما أراد اللّه من استئصال شأفتهم وأن لا يبقى لهم بالمدينة دار ولا منهم ديار، والذي دعاهم إلى التخريب: حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدّوا بها أفواه الأزقة. وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين، وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جسد الخشب والساج المليح. وأما المؤمنون فداعيهم إزالة متحصنهم ومتمنعهم، وأن يتسع لهم مجال الحرب. فإن قلت: ما معنى تخريبهم لها بأيدى المؤمنين؟
قلت: لما عرضوهم لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوهم إياه {فَاعْتَبِرُوا} بما دبر اللّه ويسر من أمر إخراجهم وتسليط المسلمين عليهم من غير قتال. وقيل: وعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يورثهم اللّه أرضهم وأموالهم بغير قتال، فكان كما قال.

.[سورة الحشر: الآيات 3- 4]

{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (3) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (4)}
يعنى: أنّ اللّه قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم، فلولا أنه كتب عليهم الجلاء واقتضته حكمته ودعاه إلى اختياره أنه أشق عليهم من الموت {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا} بالقتل كما فعل بإخوانهم بني قريظة {وَلَهُمْ} سواء أجلوا أو قتلوا {عَذابُ النَّارِ} يعنى: إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.